Friday, June 29, 2007

بنت من شبرا - الجزء الثانى

طول عمرى عندى ولع خاص بتاريخ الجغرافيا ... أو جغرافية التاريخ ... القصص اللى ورا الأماكن ... قصص ناس عاشت فى البيوت والشوارع والمحلات ... أكيد سابت بصمات ... جزء ليس بيسير من ذكرياتها متعلق زى ذرات الغبار على سطح الأماكن دى ...

وفيما يلى مجموعة خواطر
عن أماكن وأشخاص
شوارع وحواديت
ناس عشت وسطهم
وعاشوا جوايا
حياتهم نفسها
شكلتنى
لونتنى
خلتنى أنا

أتكلم عن شبرا
مسقط رأسى ومهد طفولتى وملعب صباى
لقطات أراها فى خيالى بالأبيض والأسود
زى أفلام الستينات
زى صور أبى وأمى فى شبابهم
ومع ذلك فهى لقطات لها لون وطعم ورائحة
لقطات من زمن تانى
بحس أنه زمن واحدة تانية مش أنا


شبرا ... يعنى سينما شبرا بالاس اللى لسه عليها أفيش آخر فيلم عرضته قبل ما تقفل ... كما هو واضح فى الصورة ... أفتكر وأنا صغيرة كانت دايما تعرض أفلام أميتاب باتشان ... ومرة سمعت نبيلة عبيد بتحكى عن طفولتها فى البيت المجاور لسينما شبرا بالاس ... بتقول كانت تقف فى البلكونة تتفرج على الأفلام فى الصيف ...
دلوقتى السينما مهجورة مش عارفة ليه ... غالبا عليها قضية كالمعتاد فى مثل هذه الحالات


شبرا يعنى عم حسنى الخردواتى اللى تحت بلكونتنا ... بسماجته المعهودة وابتسامته الصفراء المتزلفة ... وابنه أشرف اللى الحمد لله لم يرث عنه الصفات الغير حميدة دي ... كنت أنزل السبت وأفضل أنده "أشرررررف" لحد ميطلع من المحل "اتنين حاجة ساقعة" ... وساعات نكلمه فى التليفون لما سمعه يتقل وميعبرنيش ... كنت بقول ان ده كان محل خردواتى ... وكلمة خردواتى دى كلمة منقرضة ... أراهن ان محدش فى الجيل بتاعى ده سمع عنها ... الخردوات هو محل فى ظاهره مثل كشك السجاير ... حلويات وسجاير وحاجة ساقعة ... لكن فى باطنه هو محل "بتاع كله" ... يعنى لعب أطفال تلاقى ... شاى ... كبريت ... ورق تواليت ... حجارة قلم ... كراريس وأقلام ... كل ده فى محل 6*4 متر وللا حاجة! ... وفى فترة من الفترات ... أشرف قرر يوسع البيزنس بتاعه ... فاشترى ماكينة تصوير مستندات ... وقرر أنه يلزمنى أصور عنده كل ورق الدروس فى ثانوية عامة ... أنا وصحباتى كمان





... شبرا يعنى عم سيد بتاع القصب اللى على رصيف بيتنا ... وابنه اللى مربى دقنه شبرين ومقصر الجلابية تلات أشبار أقصر من مريلتى بتاعت حضانة, ودائم الشجار مع خلق الله



شبرا يعنى أسماك الدوران ... والعربات الفارهة ل"علية القوم" زى مبيقولوا اللى كانت تبتدى تزوره ابتداء من الواحدة بعد منتصف الليل ... حتى ان إحدى الإشاعات كانت بتقول ان رئيس مصر المقبل نفسه كان بيتعشى هناك!

شبرا يعنى سوق روض الفرج ... اللى تم تخليده إلى الأبد فى فيلم عادل إمام المشهور "سلام يا صاحبى" ... نقلوه من زمان سوق العبور ... ومفضلش منه دلوقتى غير بوابته الحمراء المميزة وتحولت بقية المنطقة إلى مركز ثقافى ومركز إطفاء وجنينة مقفولة ممنوع دخول المواطنين إليها حرصا على نظافتها!!!

شبرا يعنى قهوة سان ستيفانو اللى قبل سينما شبرا بالاس ... واللى واضح – لأنى مكنتش أوعى للموضوع يعنى – أن أبى العزيز كان مقيم فيها مع صديق طفولته عمو ألفونس اللى كان شكله بيفكرنى بالفنانين البوهيميين بسوالفه الطويلة والبيريه على دماغه زى موضة السبعينات ... بقول واضح ان أبويا كان ملازم القهوة كل ليلة لدرجة أن نوتة تليفونا كان فيها نمرة القهوة ... عشان أمى لما تحب تعملله – أبويا – استدعاء ... طبعا كان الموبايل ده خيال علمى وقتها ... والقهاوى فى شبرا دى بقى موضوع تانى ... شارع الترعة لوحده فيه ييجى 15 قهوة ... زمان كان بيقعد عليها الرجالة الكبار ... يدردشوا ويلعبوا طاولة مع كباية شاى ... زى بابا وعمو ألفونس كده ... لكن دلوقتى بقت مليانة شباب ... كل واحد قاعد وحاطط الببرونة اللى اسمها شيشة دى فى بقه وبيرضع ... حاجة تقرف!

شبرا يعنى مهنة منقرضة ... يمكن جيلنا ميعرفهاش قوى برضه ... اسمها "الرفا" ... والرفا هو راجل (غالبا كبير فى السن ولازم يكون لابس كعب كوباية) قاعد فى محل هو متر فى نص متر لا أكثر ... آسفة ... هو فى الحقيقة قاعد على كرسى خشب برة المتر فى نص ... لأن المساحة دى بتكون مليانة مجموعات مكدسة من الهدوم المتطبقة والمرصوصة كيفما اتفق فى أى مكان ممكن ... ومهمة الراجل ده بسيطة قوى ... انه "يرفى" أو "يخيط" الأجزاء المقطوعة أو المفتوقة من الهدوم ... والعجيب ان المهنة دى منتشرة بكثرة فى شبرا ... أم هى صدفة أن حوالين بيتى فقط أقدر أوريلك تلات محلات رفا مختلفة؟ ... وبالرغم من ان مهمة الرفا موجودة بشكل ضمنى فى محلات الخياطة لكن وجودها بالصورة المستقلة دى مشفتوش ابدا غير فى شبرا

شبرا يعنى شارع خلوصى (خلوصى بك) اللى فى يوم من الأيام كان شارع عادى ... مفيهوش غير كام محل ... منهم محل "تاتش" بتاع الهدايا اللى كنا بنجيب منه كل هدايا أعياد الميلاد فى المدرسة ... ومنهم محل ألبان الجامعة اللى كان بابا بيركن فى الشارع اللضيق اللى جنبه وينزل يجيبلنا كيلو اللبن المعتاد وعلب الزبادى وبرطمان العسل الأبيض ... ثم فجأة اصبح شارع خلوصى الشانزليزيه بتاع شبرا والمركز التجارى الأول بالمنطقة بمحلات الملابس الكبيرة زى "سانتا لوتشيا" و"راجز" ومحل "سرور" اللى كنا بنسميه "شرور" عشان أسعاره كانت مرتفعة .... طبعا دلوقتى الأذواق اختلفت وبقت الموديلات دى عجيبة ... بالنسبة لى على الأقل

شبرا يعنى أم أيمن بتاعت مشمش العمار – العمار دى بلد مشهورة بزراعة المشمش – أم أيمن كانت تقعد فى شارع شبرا على الرصيف اللى بعد شارعنا ... كانت فلاحة جميلة ... صبوحة الوجه شديدة البياض ... عيونها عسلية جميلة ... قد ايه فيه فلاحين فعلا جمال ... جمال ربانى زى مبيقولوا ... عمر ما دنسه مكياج ... وكانت صغيرة السن رغم ابنها اللى كان أصغر منى بحوالى 4 سنين كانت أمى تركب باص الشغل من على الناصية ... فتعدى فى طريقها على أم أيمن وتوصيها تبعت كام كيلو مشمش على البيت عشان تمارس – أى أمى – هوايتها المفضلة فى صنع مربى المشمش اللى غالبا كانت بتنتهى بالخزين أو بالتوزيع على بيوت العيلة أو الأصدقاء لاننا مش من هواة السكريات لدرجة استهلاك كل هذا الكم السنوى المهول من المربى .... ومن نوع واحد كمان



شبرا يعنى شارع الدرمللى ... اللى فيه عم يوسف البقال ... الذى تحول وجهه الهادىء المهذب إلى صورة معلقة بشريط أسود فى محل البقالة اللى واقف فيه دلوقتى ابنه الأكبر الذى يحمل كثير من صفاته الهادئة الراقية ... كنت لما ماما متعمليش سندوتشات الصبح أعدى عليه يعمللى سندوتش لانشون وسندوتش جبنة ... يلفهم فى ورق جرنال ... بس أنا كنت بجيب معايا كيس أحطهم فيه وأرمى الجرايد ... كنت إنفة شوية بغض النظر عن أكلى من الشارع!

وفى الشارع اللى بعده على طول كان منافس عم يوسف هو عياد البقال ... كانت ماما بتفضل جبنته عن جبنة عم يوسف ... ودايما رحلة بابا لشراء البقالة كل يومين يرجع من عنده متغاظ من عياد ... أصله كان سمج ودايما عايز يديك الحاجة زيادة بالعافية ... تقولوا ربع يقولك خليها نص ... تقوله واحدة يقولك خليها اتنين ... ده غير انه على طول زحمة وبطىء ... لما كبرت شوية كنت بتعازم أنا وبابا مين فينا ينزل يجيب العشا من عياد



شبرا يعنى شارع الترعة ... محطة العطار حيث كشك الجرايد الذى كان يمدنا بمجلتى نصف الدنيا والشباب ... ومجلات ميكى وسوبر ميكى – فضلت أشتريهم لغاية الكلية –
شارع الترعة اللى فيه أسواق الشريف للبلاستيك – مصدر أطباق الغسيل وكراسى البلكونة فى بيتنا العامر – ومحل ميكى ماوس لتأجير الفيديو قبل أن نعرف الكمبيوتر والدى فى دى ... كنت بطلع عين صاحب المحل لأنى باخد ييجى نص ساعة كل مرة على ماختار فيلم يعجبنى ... كان دايما يقول لبابا "شيرين دى دماغ" ... يعنى كان ليا ذوق معين صعب إرضائى ... ولا زلت الحقيقة

شبرا يعنى النفق ... كما فى المثل "فاتح بقه زى نفق شبرا" ... يمكن محدش سمع المثل ده قبل كده لأنى أعتقد انه من اختراع أبى ... وقبل النفق على ايدك الشمال محل ناف ناف ... كان أيام العز – قبل ميبقى زى "باتا" بتاع الأحذية كده دلوقتى – مصدر ملابسى الصيفية كلها تقريبا هو و"بنتون" ... التى شيرتات القطن على الشورت الطويل تحت الركبة ( أو هو بنطلون قصير زى البنتاكور بتاع اليومين دول ... حسب وجهة نظرك للموضوع) ... فاكرة ان كان عندى واحد أخضر وواحد بينك ... أكيد شكلى كان جدير بالسيرك القومى ... بس نقول ايه ... جيل أواخر التمانينات بقى! ... ليه كانوا بيعملوا فينا كده؟ حسبى الله!

المهم, على ناصية شارع شبرا قبل النفق بالظبط فيه عمارة متداعية ... هى معجزة معمارية فى حد ذاتها نظرا لبقائها بالشموخ ده فى حالتها! وفى أول دور منها شقة متهالكة هى مقر معهد الموسيقى العربية قسم الدراسات الحرة حيث كنت أتلقى دروس الجيتار لمدة سنتين وأنا فى ثانوى ... ولا عزاء لوزارة الثقافى اللى حولت مقر المعهد الأصلى فى شارع رمسيس إلى متحف موسيقى فيه فستان أم كلثوم ونضارة حكيم العيون عبد الوهاب ... يا فرحتى!
شبرا يعنى جزيرة بدران ... على الناحية التانية وقبل النفق على طول برضه ... مسقط رأس أمى وخالاتى وخالى ... حيث بيت جدتى القديم وجيرانهم اللى لسه عايشين هناك لحد دلوقتى ... جزيرة بدران منطقة يصعب سير السيارات فيها من كتر الحفر والتكسير فى شوارعها ... من أول ما عرفتها لحد ما سبتها كان دايما فيه حفر وتنقيب عن شىء ما لا أدرى – ولا أعتقد أحد يدرى – ما هو

البقية فى الحلقة القادمة بإذن الله
ملحوظة: أعتذر عن عدم جودة الصور ... فأنت مع الكاميرا فى شوارع شبرا كاللص ...تختلس الصور إختلاساً ... فقد تتعرض للمسألة القانونية ... اشتباه فى الجاسوسية ... بل ان هذا قد حدث بالفعل ... فى صورة البوست اللى فات لكشرى عرفة جاء أحد عساكر الأمن ينظر لى بتوجس وريبة "فيه حاجة بخصوص التصوير؟" ... قلت "لأ .. هوه ممنوع" ... قال "لأ .. ومضى مستغربا متوجسا

5 comments:

abderrahman said...

استمتعت بالقراءة وبهذه الصور الجميلة

سينما شبرا بالاس ذكرتني بسينما مهجورة كانت في شارع الترعة على ما افتكر اسمها النزهة

موضوع رائع

Anonymous said...

انا شبراوى اعمل بالسعودية منذ 6شهور وبدأت أزهق من العمل وبعض الناس في العمل لكن بعد ما قرات موضوعك حسيت بانى لسه جوه شبرا وانعدم احساسي بالغربة أشكرك كثيرا والله يبارك فيكى أحب ان اضيف باننى من سكان منية السيرج ومن خريجى مدرسة التوفيقية التى لن انسى افضالها علي وشكرا مرة اخرى
تامر جادالله

Unknown said...

انا برضه اعتز بانى شبراوى رغم انى انتقلت بعد الزواج الى مدينة نصر ثم انتقلت للعمل فى انجلترا منذ حوالى 12 سنة وصفك جميل اعاد لى الذكريات الجميلة لانى كنت ساكن بالقرب من هذه المنطقة يعنى امام حى شبرا الضخم اللى كان اصلا مكان سينما صيفى (كانت موجودة قبل ميلادى) و كانت تسمى على ما اظن سينما الجندول ثم بقت ارض فضاء لسنوات و كان ينصب فيها سيرك الحلو كل صيف و كنا نرتعد خوفا من اصوات الاسود ليلا. و انا كنت فى مدرسة الاسماعيلية الخاصة ثم شبرا الاعدادية ثم التوفيقية......ايام جميلة

Anonymous said...

ايه الكلام الجميل ده

بجد انتى وصفتى شبرا كأحسن ما يمكن

أنا دراستى فى هندسة شبرا ومعجب جدا بكل شبر فى شبرا

المبانى القديمة والشوارع والمحلات
كل حاجه فى شبرا


كلامك ده وصف شبرا أكتر من اللى شوفته بعينى

شكرا ليكى

أنا قرأت الموضوع بالصدفة لانى معرفكيش ومعرفش المدونة دى خالص

بس بعد قراءة الموضوع ده مدونتك هتفضل فى المفضلة عندى على طول

BON PASTEUR GIRL said...

وصف جميل علي فكرة المدرسة اتغيرت كتييييييييييييير